في قعر وادي عميق و خاوي، كانت تعيش كائنات وسمها البشر باللعنة. عناكب، عقارب، حيات، وطاويط وغيرها من الكائنات الموسومة بالشر. كانت هذة الكائنات تقتل بعضها لا لجوع بل لحب الألم و لربما لأجل شيء أخر. شيء يسري في عروقهم و كأنه أنفاس الشياطين. الحق يقال لم يكن ذلك ببعيد. على جانبي الطريق الوعرة الموجودة في هذا الوادي اللعين،توجد أشجار لها جذوع ككفوف البشر من فوق تلك الأشجار الخاوية سواد يبدو و كأنه أوراقها من النظرة الأولى. غربانٌ هي الأوراق. نعيقها الحاد يكاد أن يصم أذان الكون. عند نهاية الطريق الموحشة يقطن السكون و البرد و بوابة كبيرة مصنوعة من أصلب مواد الأرض. كان عليها رسومات لبشر تهوي من جرف عالي و منهم من تأكل رأسه الطير، و آخرون مقطعين بأشنع الصور. كتب على ذلك الصرح العظيم
من خلالي الطريق لمدينة الشيطان،
من خلالي الطريق لأبد الأحزان،
من خلالي الطريق لضال الدرب.
العدل المطلق صنعني،
بقوة ربانية شكلت،
بحكمة علية، و حب دائم.
قبلي لم يكن شيء،
ذاك ليس بخلود، و كم أهوى الخلود،
تجرد من الأمل يا من تدخل هنا.
كنت أجد نفسي و كأني أقف أمام ذلك الباب و قلبي يخفق بجنون و شفتي ترتجف و شراييني تتوسع لتتيح المجال لدمي بالتدفق. هناك أنهار و أقع. لم أخبر أحداً بهذا الحلم فقد ظننته كابوس لا أكثر و لا أقل.
الفصل الأول - الولادة:
تركيا إزميرو عام 646 بعد الميلاد
في كوخ أحد مزارعي بلدة إزميرو المطلة على البحر المتوسط. كانت زوجة المزارع إرما تصارع آلام ما قبل الولادة. و زوجها يتخبط بين منازل أهل القرية عله يجد من تولد زوجته. كلما طرق باباً لم يجبه أحد، أو يعتذرون منه لاقتراب الوقت الموعود. وقف حائراً في وسط القرية و هو يبكي يرجو من أي شخص أن يهب لمسعدته. كانت هذة القرية إذا ما قدم لها مولود جديد أعطوا أطفالهم الشموع و يبدءوا بالغناء فرحاً. لكنهم اليوم تخوفوا فلم يصنعوا صنعهم المعتاد. بل دلفوا إلى مضاجعهم وهم يرجوا عسى أن تنقضي هذة الليلة على خير.
بوسط القرية جثا إلمير ينحب و يدعوا على نفسه بالويل. بينما هو على حاله تذكر زوجته المتعبة. فنهض من مكانه يتخبط راكضاً حتى أن وصل عند شجرة عتيقة سمع صوت حثيث و سلاسل تزحف على الأرض و تضرب بعضها بعضاً. نظر من حوله فلم يرى شيء و تلاشى الصوت. أراد أن يكمل طريقه إلا أنه سمع صوت منادي نداه باسمه. استدار ليرى من المنادي. كانت سيدة حسناء تفتن كل ناظر. سألته
- " ألك حاجة؟ "
- " ليّ، زوجتي تلد و لا أجد من يسعدها فهل لك أن تسعديني و لك مني ما ترغبين! "
- " و أين يقع منزلك؟ "
- " بالقرب من ذلك التل. "
أخبرته بأنها ستساعده إلا أن قدمها أصيبت و هي في طريقها له، رفعت شيء من ردائها الواسع لتبان ساقها البيضاء تحت أشعت القمر. نظرت له بدلال و بعضٌ من شعرها منسدل على وجهها و اقترحت عليه أن يحملها. وافق و هو يرجو الوصول لزوجه بسرعة. أحنى ظهره لها وهو يشكرها على صنيعها هذا. بعد أن أخذت مكانها أراد النهوض إلا أنه لم يستطع. فوزنها لم يبدو عليه هذا الوزن الثقيل. بعد أن رفعها انطلق مسرعاً قاصداً بيته. بينما كان منطلقاً كانت هي تصدر أصوات خافتة و تضغط بصدرها عليه و تنفخ بالقرب من أذنه. أفلتها و زجر
-" ما خطبكِ يا امرأة ! "
-" أاقترفت ما يوجب الزجر؟ كنت أتصرف على طبيعتي فقط. " و على وجهها نظرات الحزن بدلال.
-" لا يهم هيا بنا. لا بد من أن موعد الولادة قد اقترب. "
صعدت مجدداً على ظهره و عاودت كرتها. غير أبه، انطلق بها لزوجته ما أن وصل حتى طلبت منه أن لا يدخل معها فهي ستتكفل بكل شيء.
وقف إلمير خارج بيته يترقب. بعد مضي دقائق من دخولها بدأ يسمع أصوات وحوش الليل من كلاب ضالة و ثعابين و بوم و غيرها ما توارى في الظلام. أخذ فأسه و وقف أمام الوحوش و هو يتوعدهم، إلا أنها لم تكترث له و بقت مكانها ساكنة بلا حراك. عندما دخلت المرأة ظنتها إرما زوجها فبدأت تسأل عن ما إذا وجد مولدة. لكن أحداً لم يجبها. بعد فترة و جيزة حضرة عجوز شمطاء هزيلة تحمل بيدها دلو به ماء ساخن. و أخبرتها بأنها ستولدها. بخارج المنزل لا زال إلمير يحرس بيته من الوحوش. كان الحيوانات الكاسرة مقنعتاً رأسها حتى بدأ بعض من الثعابين بالتلوي على الأرض بطريقة مفزعة و كأنها تتألم. على صوت نباح كلاب القرية و بدأت الحيوانات تطرب إلا أن الوحوش كانت ثابتة مكانها بلا حراك و كأنها تنتظر شيء ما. بعد أن مر وقت قصير على تقلب الثعابين بدأت بعض من الوحوش بالاقتراب منها و البعض الأخر انتشر حول المنزل وهم يلهثون و يعون. اقترب كلبان من الثعابين و عض أحدهم على رأس أحد الثعابين و الأخر عض على حلقه و بدأ يسلخ جلده و باقي الحيوانات تعوي و تصرخ. بعد أن سلخت جميع الثعابين انقضت البومات عليها و بدأت تعضها و تفصل لحمها عن العظم و تجرحها بمخالبها. كان إلمير يرتعدُ خوفاً من جرم هذة الكائنات. وراح يدعوا و يصلي عله ينجو هو و زوجه من هذة الليلة. بالداخل كانت العجوز الشمطاء تساعد زوجته على الولادة و ها هو الرأس قد بان. انقضى وقت قصير و خرج الطفل ساكناً ليترك والدته خلفه مغشياً عليها من آلام الولادة.
كان الطفل ضعيفاً شاحباً كالجذع الخاوي لا يرجى منه حياة. بالخارج كانت النبتات تذبل الواحدة تليها الأخرى، و الحيوانات بدأت بالانصراف. إلمير بدوره ينتظر من يخرج له و يخبره بحال زوجته و الطفل المنتظر. إلا أن أمر تلك المرأة كان له كالحسام لا يريد أن يخالفه فهي الوحيدة التي قبلت دعوته. مضى قليل من الوقت فإذا المرأة تخرج كما دخلت و قالت له
-" إنهما بخير و هي الآن ترضعه. بإمكانك الدخول، لكن هلك أن تدلني على مكان به ماء لأنظف القذارة؟ "
-" يوجد نهر من هذا الطريق."
و أشار لها بيده على الاتجاه فأخبرته بأنها قد سمعت صوت وحوش بالخارج وهي تولد زوجته و تخاف أن يقترب منها أحدها و طلبت منه أن يرافقها لنهر. كان إلمير يشكرها طيلة الطريق و قال لها عندما اقترب من النهر
-" انه يقع خلف تلك الشجيرات، لقد وعدتكِ من قبل بأني سألبي لك كل مطالبي فطلبي. "
-" كم هذا رائع شكراً "
وضحكت ضحكة لم تكن بريئة. و رفعت شيء من ردائها و أماءت برأسها. وقف إلمير مكانه و هو لا يدرك الصورة كما هي لشدتها.لم تنتظر و أمسكته من قميصه و سحبته لها.
استفاقت إرما من غشيتها و هي تنظر لطفلها المتعافي الذي كان يرضع منها فقد كان شعورها به هو ما أفاقها من غفلتها. كانت أسعد امرأة في هذا العالم.
هذه الفصل الثاني من القصة المتسلسلة و التي بعنوان هيكل الشيطان، القصة تسلك نهج الفنتازي المظلمة، و بطلها يدعى إلمير ماير مزارع دمر سوء طالعه حياته عندما و جد قطعة أثرية تعود لحضارة قديمة. أرجو أن تعجبكم القصة و الأحداث التالية في الأجزاء القادمة.. بسم الله؛
نبدأ الجزء الثاني.
البداية:
الجزء الأول:
حاول إلمير أن يقنع نفسه بأن تلك الليلة ما هي إلا كابوس ليلة صيف، و بأن ما حدث فيها لم يكن سوى وهم من أساطير الأولين علق في ذهنه. على صياح الديك في صباح اليوم التالي استفاق إلمير في غرفته بجوار زوجه، التي كانت نائمة و يدها على مهد الرضيع. حملق في ذلك المنظر لفترة ليست بقصيرة. فذلك الجمال البسيط الرائع ليس شيء يصطنع و لطالما أسر الألباب و لا يزال. نهض من مكانه ليغسل وجهه و قلبه يخفق عما حصل في الليلة السابقة و هل إذا ما كان حقيقة. سكب بعض من الماء الموجود في إبريق الغرفة في صحن الغسيل. لفترة قصيرة توقف عن الحركة و هو ينظر للماء الذي تحركه نفحات نسيم الصباح المحملة بعبق أزهار الصيف. بوجود ذلك المنظر البديع. لم يتمكن إلمير من الاستمتاع به و كأنه محرم عليه أن يستمتع بذلك الشروق البديع. أصبح يشعر بانقباض في صدره و كأن قلبه ذلك الطائر الحر الذي قيده بني البشر ليستمتعوا برؤيته. أصبح قلبه يضرب على صدره و كأنه ذائق ذرع بذلك الشعور، الذنب، الحزن، و الغضب. بغضب ضرب بقبضته على المنضدة التي يستقر الوعاء فوقها. تدفق الدم في عروقه و أصبحت أنفاسه تتسارع.
استفاقت زوجته من الضربة.بشعرها الأشعث و بتقاسيم وجهها البريئة نظرت له بعينين تشعان بريق الأمل و الصفح ، بصوتها الذي كان على مسامعه أشبه بقطرات الندى على حجرة دُنست من جميع الكائنات بالركل و الإهانّة. قالت له:
-" عزيزي، ماذا هناك؟ "
-" لا شيء يا عزيزتي... صباح الخير، كيف تشعرين اليوم؟ "
اقترب منها ليجلس بجوارها. بعد أن وضع كفه على خدها و مرر أصابعه بين خصلات شعرها الأسود المنتشرة أراد أن يخبرها بما حدث معه إلا أنه لم يتمكن . و كيف له أن يخبرها بأنه قد أُكره على أمر كذاك. لن يغفر له عمله مهما حدث. أشاح بنظره عن عينيها البراقتين ليغرق هو بحسراته التي أسست لها عرشاً في كيانه المحطم. بدأت عيناه بالاحمرار وقلبه ينقبض بحدة. اعتدلت إرما في جلستها و وضعت يدها على و جنت زوجها محاولة أن تعرف ما يعتريه. قالت له و بعض من القلق بادٍ عليها:
-" عزيزي ماذا هناك؟ "
-" ..لا..لا شيء... انظري إلى طفلنا كم هو جميل.. لا بد من أنه أخذ من خصالكِ " و أتبعها بضحكة بلاهة
أحست بأنه لا يرغب في أشراكها مشاعره و بأنه حاول التملص من الموضوع بذكر الطفل. فلم تمنعه هي بدورها فقد أوجبت على نفسها التضحية لأجل هذا الرضيع. بدءوا يتجاذبون الحديث عنه و عن مستقبله و كيف بأنه سيكون لهما عوناً و كيف بأنه سيتزوج امرأة تكاد أن تصل إلى درجة جمال والدته. بعد أن فرغا من أحلامهما هم الزوج بالمضي لحقله وقبل أن يودعها داعب أنفها بأنفه و أبعد بعض الخصل النازلة من على جبينها و قبله و انصرف. بينما كان في طريقه للخروج من بيته لمح ذلك الشيء الذي لقاه في الحقل قبل عدت أسابيع. أخذه بين يديه يتفحصه من جديد كانت عبارة عن قطعة حجرية نقش عليها بعض الرسومات الغير مكتملة. رسومات لبشر جاثين و أم تحمل جنين و عند الطرف حيث الكسر لا حظ رسم كما لو أنه جناح. أعاد القطعة إلى مكانها بالقرب من الباب على الرف و دعا في خلده أن يكون هذا الطفل مباركاً و هم بالانصراف.
قضى إلمير وقته في حقله الخاوي، محاولاً جاهداً أن يزرع فيه شيء إلا أن الأرض يبدو عليها الموت. بكل ضرب من محراثه يتذكر بأنه الآن عائل أسرة و بأن لديه طفل رضيع بحاجه للعناية. ضربة تتلوها ضربة و لم يوفق في شيء. حاول قلب الأرض علها تتجدد من جديد إلا عبثاً كانت محاولاته. فتحت إرما شباك غرفتها المطل على الحقل لتجد زوجها في وسط أرض لا رجاء منها، نادته. رفع رأسه ليرى زوجه تبتسم له. لم يرد أن يريها قلقه حيال هذه الأرض فبتسم لها و قال لها:
-" أترغبِ بشيء من القرية؟سأذهب لأجلب بعض البذور و لأبيع بعض البيض.. "
-" لا شكراً، فقط عد بسرعة. "و أتبعتها ابتسامة عريضة.
أعاد محراثه مكانه و مر بنافذة زوجه ليقبلها على خدها و ليودعها قبل أن ينصرف للقرية. في طريقه للقرية كان يمشي على الطريق الذي بالأمس كانت تحيط به وحوش الليل، و تذكر الثعابين و ما حصل لها فرجع يبحث عنها إلا أنها قد اختفت من مكانها و كأنها لم تمت هنا بالأمس. بدأ يشكك في ما حصل له بالأمس. عاد لطريقه قاصداً القرية و ذهنه منشغل بالتفكير في تلك الرؤيا. مر بالشجرة العتيقة التي التقى بالمرأة غريبة الأطوار. انبثق من ورائه صوت سلاسل تزحف على الأرض و ترتطم ببعضها البعض. نظر من خلفه في عجل. فلم يرى شيء تماماً كما حصل معه بالأمس. بدأ قلبه يخفق بجنون و أنفاسه بدأت تتسارع و شفتاه بدأت ترتجف بسرعة كما لو أن اليوم ما هو إلا أحد اقرص أيام الشتاء. نظر من حوله و إذا بالصوت بدأ يعلو و يعلو. زأر سائلاً من هناك و إذا ما كان هنالك شخص متربص به. عبثاً كان يحاول فلم يرد عليه أحد. حاول الهروب قاصداً القرية عله يبعد هذا الشيء عن زوجه و طفله و بأن ينقذ نفسه. كانت قدماه ثقيلتان من شدة خوفه فراح يلعنهما و يلعن ساعة نحسه تلك التي قادته للقدوم لهذا المكان مجدداً. استجمع قواه مجدداً فعادت قدرته على التحكم بقدميه. لم ينتظر كثيراً حتى أنطلق مسرعاً بين الشجيرات الموجودة على جانب الطريق و هو يطلب النجدة. ما أن خرج من بين الشجيرات حتى ارتطم برجل من أهل القرية كان ينصب فخاً للإيقاع بأرنب يقطن بالجوار. سأله إلمير مذعوراً:
-" ماذا!...ماذا تفعل هنا!! "
-" ما لذي تقصده أني أنصب فخاً لذلك الأرنب اللعين هناك! " قالها و هو يدلك رأسه الذي ارتطم به إلمير.
-" تباً! ألم تسمع صوت..صوت السلاسل! أنه... نفسه! "
-" هون عليك يا صح، إنها سلاسلي التي كنت أنصب بها فخي ماذا حل بك لطالما سمعته من قبل هون عليك! "
اعتذر إلمير منه و هم يخبره بما جرى له بالأمس بشأن السلاسل و كيف انه سمعها و لم يرى شيء. و كيف أن بعد هذه الحادثة خرجت وحوش الليل لتقترف أبشع المشاهد أمامه. ضحك الصياد و أخبره بأن مخيلته خصبة و بأنه بحاجة لشراب ليعيد له رشده أو لينسيه هذا الكابوس. تبع إلمير هذا الرجل الذي كان يقاربه في العمر.
ما أن وصلا للقرية حتى شاهد إلمير أناس يبنون شيئاً لم يره بالأمس فسأل صاحبه عنه. أخبره صاحبه بأن هؤلاء الرجال عاقدين العزم على تشيد معبدٍ في تلك المنطقة و بأنهم ما أن بدءوا العمل عليه حتى بدأت أحداث غريبة بالحصول في القرية.سأله إلمير:
-" ما لذي تقصده؟ "
-" مع أول حجر أساس وضعوه ،بعض من رجالهم تعرضوا لجروح و كسور، و ليس هذا فقط بل ولد للخباز ابن ضعيف و هزيل و مات بين يدي والدته بعد ساعتين من مولده. "
-" ألا تعتقد بأنها مصادفة؟ "
-" بربك كيف لمصادفة من هذا النوع أن تحصل تباعاً، ألم تقل أنت بنفسك بأن وحوش الليل تجمهرت أمام منزلك! "
-" أجل لكن... "
-" لا يوجد لكن، بالأمس بدأت حيواناتنا الأليفة من كلاب و قطط و بعض الطيور بإطلاق صيحات كما لو أنها تستغيث! "
توجه الخليلان لبائع الحبوب اخذ إلمير حاجته من البذور القابلة لزرع وسأل البائع عن هذا المعبد الذي يتم تشييده و أخبرهما بأن جده العجوز يقول بأن هذه الأرض هي لمقبرة قديمة قد دمغت من قبل الأمطار و الأرواح عادت لتعاقب من يحاول الإخلال بأمنها الأبدي.استهجن إلمير هذا الكلام إلا أن صاحبه أظهر انجذاب كبير لهذه القصة و كأنها واقع لا مفر منه. بعد أن عاد صاحب إلمير إلى رشده ضحك على نفسه مما بذر منه من بلاها و اعتذر من البائع إلا أن البائع ضحك معه و أخبره بأن العجائز ينطقون بعجائب الأمور و ضحكوا سويا ثم انصرف الخليلان من أمام البائع. و مرا من أمام البنائين و راحا يسخران من أن الأرواح ستعاقبهم على إيذاء سكينتهم و انصرفا من أمامهم و هم يتهامسون في ما بينهم، إلا أن أحدهم لم يسكت. أفلت ما كان بيده من مزمِل و مطرقة و صاح فيهم:
-" لقد قدمنا هنا لننجي هذه القرية البائسة مما انغمست فيه! "
التفت له إلمير و نظر لعينيه ليراهما تشعان بقوة و كأن الحق معه لا محالة. لم يكترث وأشار بيده بعدم اكتراثه لما قال. انصرف الجميع إلى أعمالهم و مقاصدهم. ما أن وصل الخليلان إلى بيت الصياد و بعد أن اجلس إلمير على مائدة الطعام أفصح عن ما في خلده بشأن ذلك الرجل:
-" سيخلص هذه القرية، هاه! من يحسب نفسه القديس سانتا نيكولس الثاني أو مشابه! "
-" هون عليك يا صاح. خذ اشرب. "
أخذ الكأس من يد صاحبه و بدأ يشرب. ناد الصياد زوجه لتقدم لهما بالطعام. خرجت زوجته بالمائدة و عليها من الطعام ما يشبع اثنان و يزيد. لازال إلمير يتذمر من مقولة ذلك الرجل. كان يتكلم و هو ينظر للكأس الذي يقلبه في يده. وضعت زوجت الصياد المائدة و أصدرت ضحكة خجولة لما تراه من تصرف المزارع. نظر لها و قال الصياد:
-" دعني أعرفك على زوجتي أنا الصياد لوقا العظيم، إنها حسنائي القادم من الشرق أورسيليا "
-" تـ.. تشرفنا، ادعى إلمير، إلمير ماير.. "
كان الشبه بينها و بين المرأة غريبة الأطوار كبير إلا أن لها خال بالقرب من عينها اليمنى. سألها إلمير إذا ما كان لها أخت تشبهها أو مشابه. أخبرته بأن شقيقتها التوأم قد ماتت عندما كانوا صغار. و بأنها قدمت من مدينة بالقرب من فان بشرق تركيا. تعجب لوقا و سأل صاحبه عن هذا السؤال الغريب. فتهرب من الإجابة و قال له بأنه قد حلم بهذا الوجه من قبل، ثم وضع الكأس من يده و هم بالخروج. أمسكه صاحبه من يده و سأل عن عجلته. أخبر إلمير لوقا بأن زوجته تنتظره الآن في بيته لتناول الغذاء معه. فقال له:
-" حسناً، انتظر هنا لثوان سأقدم لك بشيء و جدته بالقرب من منزلي. "
دخل غرفة مجاورة. و بعد ثوان خرج له وهو حامل قطعه صخرية و أهداها له. نظر لها إلمير فدهش مما رأى. كانت تكملة القطعة التي بمنزله. قال له لوقا:
-" وجدتها في فناء منزلي الخلفي، بها كما ترى رسم لشيء مجنح و ينبثق منه على ما يبدو هالة نوريه ربما يكون طالع حسن خذه عله يحميك. "
أماء برأسه و انصرف و هو يقبض عليه بالقرب من صدره و هو يفكر في هذه الغرائب التي تلي إحداها الأخرى. بينما هو يركض بتلك الحالة شاهده ذلك الرجل الذي يعمل على بناء المعبد. رمقه بنظرات حتى غاب عن ناظره و قال لأصحابه بعد أن وقف على رجليه و القلق يعتريه:
-" نظراته كانت مختلفة.. "
سأله من حوله عن مقصده، إلا أنه لم يفصح عن شيء وبقي يحدق في الطريق الذي سلكها إلمير.
نهاية الجزء الأول،